رواية الإفتراق
نسب إلى الرسول الأعظم (ص) أنه قال:
تفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة في الجنة .
وتلقف علماء المذاهب والفرق هذه المروية بكثير إعتناء وإهتمام وبذل عديد منهم جهوداً بالغة لتصحيحها ومن ثم لإثبات أن فرقةته وما ذهبت إليه هي المصداق الأوحد للفرقة الناجية وعليه فكل ما عداها في النار مهما بلغ .
ومن المضحك أن بعض هؤلاء عمد إلى تفريع كل فرقة مخالفة لمذهبه حتى يحصل عددها وأمثالها إلى اثنتين وسبعين فتصير كلها إلى النار وعمد إلى فرق عديدة تجتمع مع ما ذهب إليه في بعض الآراء لا سيما في موقفه من مخالفيه فأول وآلف بينها وصيرها فرقة واحدة إلى الجنة , وباختصار نورد الملاحظات التالية:
1- أن هذه المروية لم يجمع علماء المسلمين على تصحيحها بل شكك بعضهم حتى بصحتة سندها وأنه لا يخلو من إشكالات .
2- إن بعض من صححها قال أنها صحيحة لغيرها لا لذاتها أي انها بذاتها وبمعزل عن قرائن تمضدها لا تصل إلى درجة الصحيح .
3- أن بعض من أخذ بها قال أنها تصل إلى درجة الحسن وهي درجة بين الصحيح والضعيف.
4- إن بعض كبار العلماء جزم أن شطرها الأخير (كلها في النار إلا واحدة) هو زيادة باطلة ليست من الرواية .
5- انها نقلت بصيغ عديدة مختلفة ومنها على سبيل المثال : (كلها في الجنة إلا واحدة في النار ).
6- أنها تخالف صريح منطوق ومفهوم الكثير من آيات القرآن التي تأكد نجاة عموم من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً وهذه مما يتفق كل المسلمين فيها مهما اختلفوا .
7- انها تخالف مذهب خطاب الإسلام والرسول (ص) والذي أساسه الترغيب بسماحة الإسلام ولطف الله وسعة رحمته بحيث تضيقها أشد تضيق حتى تجعل نسبة نجاة واحد من ثلاث وسبعين فأي يأس سيدخل عندها في نفوس السامعين لهذا الخطاب .
8- أنها تخالف ما رووه عن الرسول (ص) أنه قال : ( إختلاف أمتي رحمة ) بينما في مرويتهم تلك يصبح الاختلاف نقمة .
9- أنها زادت نسبة العجب عند أبناء بعض الفرق ونظر كل منهم إلى مخالفيه نظرة متعالية وكثرت أحكام التكفير والتضليل وصولاً إلى التنابز والتناحر .
وهذا كله ليس من لغة الإسلام وأهدافه .
