• الموقع : البلاغ : موقع سماحة الشيخ إبراهيم فواز .
        • القسم الرئيسي : الأبحاث والمقالات .
              • القسم الفرعي : الأبحاث .
                    • الموضوع : تعدد الزوجات على ضوء القرآن : .

تعدد الزوجات على ضوء القرآن :

  باسمه تعالى

تعدد الزوجات على ضوء القرآن :
المشهور السائد بين الناس أن الإسلام أباح تعدد الزوجات وصولاً إلى أربع لكل زوج .
وتنوعت الآراء أمام هذه الشهرة بين معجبٍ فرح ، وراضٍ على كره ومضض ، ورافضٍ مُشنّع .
وإبتداءً لا بد من إلفات النظر إلى ضرورة الدقة في ملاحظة التعابير والإصطلاحات .
ففرق بين : أباحَ أو نَدبَ أو أجازَ ولكل منها حدودها وأبعادها .
ولا يخفى أن بعض العلماء قال أن التعدد مستحب وأن الشرع ندب إليه بل إن بعضهم نُقل عنه أن الإستحباب لا يسقط دون الأربع .
وأقول أن هذا الرأي لا يصمد عند الإمعان والتدقيق في الآيتين:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ [النساء : 3]
وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً [النساء : 129]
وسيأتي بعض تفصيلهما لكن أقول أن الكلام سينحصر في التفريق بين الإباحة والإجازة وهل من قيود ولما ولمن .
------------------------------------------------------------
أولاً : الإباحة وهل أباح الإسلام التعدد أم لا ؟ 
وإجابة يُقال : أن إصطلاح الإباحة أول ما يعنيه نفي الإختصاص ونفي القيود .
فمثلاً لا يصح القول أن التعدد مباح للقادر أو للعادل فالتخصيص للقادر أو القيد بالعدل ليسا إباحة بل إجازة لأن الإباحة تكون للعموم لا لبعضهم .
كما أنه من البديهي إذا صدر حكم أن يتناسب مع موضوعه .
ولا تناسب هنا بين حكم الإباحة ولا موضوعية الأربع نساء لكل رجل ، حيث أن آخر الإحصائيات المعتمدة من الدوائر الدولية المختصة تفيد أن أعداد الذكور تزيد على أعداد النساء في أغلب المجتمعات وفي بعض العكس بما لا يتعدى نسبته 51 إلى 49 . 
ولو أضفنا وفيات الحروب والعمل والحمل سنصل حتماً إلى ما يُقارب التعادل أي لكل ذكرٍ أنثى واحدة .
ولو أبحنا التعدد مع وجود قابلية غالبة عند الرجال بالميل إلى اكثر من إمرأة ، وقابلية متوافرة عند كثير من النساء بأن تكون زوجة ثانية أو ثالثة أو حتى خامسة لو أمكن ، لإختل النظام المجتمعي الإنساني على الأرض وهذا مما يخالف الحكمة والواقع .
وإن قيل كيف وكل المسلمين يقولون بإباحة التعدد ولم يحصل لا خلل ولا ما يؤدي إليه . قلنا : إنهم يستعملون تعبير الإباحة ويقصدون الإجازة بدليل ما يضيفونه من شروط إليها ، كما أن الأغلب الأعم من المسلمين يدرك أن الإستقرار الإجتماعي والنفسي يكون بالإكتفاء بالزوجة الواحدة وهذا ما هم عليه .
لذلك فالقول بالإباحة ساقط دون شك لما أشرنا .
------------------------------------------------------

ثانياً : الإجازة وهي لا تكون إلا لبعض دون بعض ولشروط وقيود . وأصحاب هذا الرأي أكبر حظاً في محاولة الإستدلال والإستفادة من الآيتين أعلاه وغيرهما.
لذلك قالوا ان الإجازة بالتعدد هي لكل قادرٍ على الإنفاق والعدل كما إستفادوا من الآية الأولى . والبعض قال أن المطلوب بالعدل شبه المستحيل الذي أشارت إليه الآية الثانية هو العدل بالمحبة والميل النفسي ، لذا قالت الآية : وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ . فيبقى توفر شرط القدرة كافياً لجواز التعدد حيث أن العدل بالمحبة يكاد يكون متعسراً عند الرجال .
وأقول : إن هذا الكلام لا يكاد يصح لعدم تناسبه أيضاً مع عدم موضوعية الواقع .
لأننا لو إفترضنا قدرة ثلث الرجال المادية وأن ثلث هؤلاء (الثلث) بإمكانه الزواج من إثنتين وثلث (من الثلث)من ثلاث، وثلث (من الثلث) من أربع فهذا يعني لزوم توفر زيادة في كل مجتمع لعدد النساء بنحو 66 بالمئة أي أن كل 100 رجل ينبغي أن يتوفر لهم 166 إمرأة على الأقل.
وكلنا يعلم أن هذا غير متوفر في الواقع فكيف لو كان عدد القادرين مادياً من الرجال النصف أو أكثر فعليه يلزم أن تكون ولادات الإناث أضعاف الذكور لأن الله حكيم ولا يُعقل أن يأمر أو يُجيز فعل ما لا واقع له .
إذاً ماذا نستفيد من نص التعدد في القرآن ؟ :
أقول : أنه لا بد من تشريح الآية الأولى والنظر في مقاطع عباراتها وما يُشير إليه كل مقطع على حِدا ومن ثم رسم الترابط بين معانيها وصولاً إلى صورة متكاملة للمراد الإجمالي. 
1_ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى .
2_ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ.
3_ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً .
يُلاحظ على الشطر الأول أنه إبتدأ ب ( إن ) وهي أداة شرط 
والأداة تحتاج إلى عامل الشرط وجوابه .
وعامل الشرط في الآية هي العبارة الثانية : خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى .
أما جواب الشرط فهو العبارة الثالثة : فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ.
ويُلاحظ أن لا تناسب مطلقاً بين عامل الشرط وجوابه وهذه مُفارقة ملفتة .
لأن التناسب بين العامل والجواب في الجملة الشرطية من البديهيات الضرورية مثل القول : إن عصيتم فتوبوا ، لأن الأمر بالتوبة مما يتناسب مع صدور المعصية . ولو قلتَ إن عصيتم فإشربوا لإستغرب السامع حيث لا تناسب مطلقاً بين المعصية والشرب .
لذا بالعودة إلى الآية تجد أن عامل الشرط يقول ما مفاده : في حال خوفكم من عدم العدل في اليتامى . وجزاءه : فإنكحوا من النساء من إثنتين إلى أربع .
والمدقق بلا عناء لن يجد أي تناسب موضوعي بأن يكون إجازة تعدد الزوجات لسبب خوف عدم العدل في اليتامي . والمشهور أن الجزاء يكون من جنس العمل أو بمعنى أدق كما أشرنا التناسب بين العمل وجزائه .
ويلاحظ عادة أن جملة الشرط تستعمل للتحذير أو الترغيب أحياناً وعليه لا يمكن أن يكون تنافر موضوعي بين العمل والجزاء.
ولو عدنا إلى آية سابقة عن آية مدار البحث لوجدناها تقول:
وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ﴿٢﴾
ففيها أمر ونهي وتحذير وكلها تتعلق بحقوق اليتامى وتخويف من ظلمهم والتعدي على اموالهم .
وبعدها مباشرة آية التعدد وصارت الصورة على نحو :
أنه بعد التشدد البالغ في التحذير والتهديد من ظلم اليتامى والتعدي على أموالهم بخصوصية ضعفهم .
كان الإستئناف بآية التعدد (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى ) بمفاد ضمني أن الطبيعي الإنساني هو الخوف والجزع من مجرد التفكير بالإقتراب غير المُحق من أموال اليتامى وشؤونهم .
وعليه إن كان هذا هو الحال مع اليتامى (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ.) 
وفي الشطر الثالث جملة شرطية جديدة (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً .) 
وبمزيد من التدقيق يلاحظ ظاهر الإرباك في المعنى المتوهم من النظرة الأولى إلى الآية . 
ولو ضممنا الآية السابقة إليها لزادت هذه النظرة إرباكاً .
وعليه نعيد التشريح والترتيب :
1- من الظلم الكبير التعرض لأموال اليتامى .
2- من الطبيعي خوفكم من ظلم اليتامى .
3- لذلك أبحنا لكم تعدد الزوجات ولو إلى أربع .
4- ولكن إن خفتم عدم العدل بينهن فإكتفوا بواحدة . 
----------------------------------------- 
لكن قد يأتي من يقول أنه بالإمكان توجيه الآية وعباراتها حتى مع ما سبقها إلى أن المعنى المقصود :
أن الأصل هو إباحة التعدد حتى أربع ولكن إن خفتم أن لا تعدلوا بين النساء فإكتفوا بواحدة وتعاملوا معهن كتعاملكم مع اليتامى وليكن خوفكم من عدم العدل بين الزوجات كخوفكم من ظلم اليتامى أموالهم ، وعليه لا إشكال ولا إرباك .
وأقول رداً : إن هذا التوجيه لا يستقيم لأسباب :
1- إن كان الأصل هو إباحة التعدد يُفترض أن يكون الأصل في الخلق أربع إناث لكل ذكر وقد ثبت عدم واقعية هذا الأمر .
2- لا تستقيم إباحة تعدد بين أمرٍ بإعطاء الحق أهله (وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ) ونهي بوصفٍ قاسٍ (وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) ثم تكرار نهي مع تحديد ماهية الظلم والتعدي ( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ) ووصف لشناعة الظلم ( إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ) ثم إعادة التذكير بالخوف (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى ) وتذييل بالتخويف (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ).
3- لو كان الأصل إباحة التعدد لما تم ذلك مع قوله عز وجل (ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ) بما يفيد أن : الأصل هو الزوجة الواحدة لمنع الوقوع في الظلم والعجز .

4- لا يمكن أن يستقيم القول بإباحة التعدد مع ما ذكرناه أعلاه كما بعد الإلتفات والوقوف ملياً عند قوله تعالى : ( وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) وهنا نفي جازم من خالق البشر الخبير بدفائن النفوس ومكامن ضعفها، لذلك ( فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) لأن التعدد مع إستحالة العدل منكم سيجعلكم تميلون كل الميل لزوجةٍ وتحيلون الأخرى إلى معلقة أو شبه زوجة . ( وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً) وأظهر مصاديق الإصلاح والتقوى (فَوَاحِدَةً ) و (ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ) حتى لا تقعوا في الظلم والعجز كما أشرنا .
5- لا يستقيم القول بالإباحة بعد إقتران الحديث عن النساء بذكر اليتامى وتشديد التخويف من ظلمهم لأن ما ورد عن الرسول الأعظم (ص) (اتّقوا الله في الضعيفين : اليتيم والمرأة فإنّ خياركم خياركم لأهله ) يُظهر سبب البدء بالحديث عن اليتامى وشناعة التعدي على حقوقهم وظلمهم والإنتقال مباشرة للحديث عن النساء وتعدد الزواج منهن لأن أحدهما بمنزلة الآخر في الضعف فهما الضعيفان فكيف يُباح أحدهما لكل مُستلذٍ ومُعجب .
-------------------------------------------------------
ولقائل أيضاً أن يقول : لو قبلنا بكل ما سبق وأن الأصل هو الزوجة الواحدة وأن الآيات السالفة مليئة بالنهي والتحذير من التعدد ، فما معنى صريح قوله تعالى :
(فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ) 
وهذا ما يُشعر صراحةً بالإباحة أو الإجازة المقيدة بملاحظة بقية العبارات .

وعليه أقول : أن العقدة والمشكلة هي في فهم عبارة (مَا طَابَ لَكُم) لأن الناس فهموا أن القصد هو ما لذّ لكم ، أو ما أعجبكم من النساء حتى الأربع .
لكن بمراجعة ما سبق سنرى أن هذا الفهم أيضاً لا يستقيم مع كل النهي والتحذير والإشارة إلى إستحالة العدل بينهن ولو حرصتم وقوله (فَوَاحِدَةً ) و (ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ) .

=== إذاّ ما المقصود من عبارة (مَا طَابَ لَكُم) ؟

أقول : حيث أن العبارة وردت في القرآن 
وحيث أنه يُفسّرُ بعضه بعضاً 
وحيث أنه ورد مشتقات مفردة (طاب) في أكثر من أربعين آية ،
لذا كان لا بدّ من العودة إلى الكتاب العزيز للإلتفات إلى المعاني التي قُصدَ منها إستعمال تلك المُشتقات.
وإخترنا من بينها الآتي :
كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً

هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً
فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً لسَّمَاء

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ .
الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلم الطيب

وبمراجعة الآيات السالفة لا أظن أحداً يقول أن المشتقات الواردة لمفردة ( طاب ) جاءت بمعنى لذَّ . لأننا بالرجوع إلى معاجم اللغة تبين لنا أن المعاني المستعملة لكلمة (طاب) هي في الغالب : حَسُنَ ، صَلُحَ ، لذَّ .
فلا يمكن القول مثلاً أن الآية : الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ .
يصبح معناها : الذين تتوفاهم الملائكة لذيذين.
أو آية : هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً . 
أي ذريةً لذيذة .
وعليه بالإمكان محاولة إستبدال مشتقات كلمة طاب في الآيات السالفة مرةً بمشتقات كلمة لذَّ ومرة بمشتقات حَسُنَ أو صَلُحَ
وليُرى عندها أيها أقوم دلالة وأصح إفادةً .
فهل يستقيم : بدل : إليه يصعد الكلم الطيب :
إليه يصعد الكلم اللذيذ -أو - الكلم الصالح
وبدل : الطيبات للطيبين :
اللذيذات للّذيذن -أو - الصالحات للصالحين
وبدل الذين تتوفاهم الملائكة طيبين :
الذين تتوفاهم الملائكة لذيذين - أو - الذين تتوفاهم الملائكة صالحين
وبدل : فتيمموا صعيداً طيباً :
فتيمموا صعيداً لذيذاً - أو - فتيمموا صعيداً صالحاً

وهكذا ...........
وأكاد أجزم بأنه لم ترد أي عبارة في القرآن فيها مشتق من مشتقات (طاب) ويراد بها معنى اللذة .
= يُضاف إلى ذلك أن كلمة (الطيّب) وأمثالها في القرآن كثيراً ما وردت في مقابل الخبيث .
وفي معاني الخبيث ورد أنها تُستعمل ويُقصد بها الشرّير أو الفاسد أو المؤذي.
وعليه فإن مقابلها في القرآن هو مقابلها في المعنى .
مثال : الخبيثات للخبيثين ... والطيبات للطيبين 
تصبح في المعنى : الفاسدات للفاسدين ... والصالحات للصالحين .
وعلى هذا المنوال يمكن تناول بقية الآيات أعلاها وأمثالها .
وبالعودة إلى آية التعدد ورفيقاتها فإنه لا ينضبط المعنى للآية لو إعتبرنا أن المقصود بكلمة ( طاب ) معنى ( لذَّ) بل الأصح دون تردد هو معنى (صَلُحَ).
وبذلك يكون المعنى المُراد : فَانكِحُواْ مَا (صَلُحَ) لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ.
لأنه فرق كبير بين قول : فتزوجوا ما لـذَّ لكم وبين: فتزوجوا ما صَلُحَ لكم
لأن في المعنى الأول إشاعة لإعتبار المرأة أنها ليست أكثر من ملذة للرجال . بينما في المعنى الثاني واضح أنه يُراد بها أن تكون صالحاً له وهذا أقرب ما يكون في المقصد لمعنى السكن المذكور في الآية : 
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ .
لأن المرأة التي لا تعدوا كونها لذة لا يمكن أن تكون سكناً ويربطها مع الطرف الآخر- الذي هو ليس أكثر من ساعٍ للذته - مودة ورحمة .
فالمعلوم أن لكل لذة أوانها وربيعها ومن بعده الخريف والذبول .
بينما السكن مع جامع المودة والرحمة هو ما يتمنى بل يسعى كل فردٍ لبقائه ودوامه .
وللدلالة أكثر على أن هذا المعنى هو المراد نؤكد على ملاحظة الإحتمال الآتي :
1_ الآيات وضعت النساء والأيتام في كفة واحدة ، وقد أشرنا إلى العلة في ذلك .
2_ تكرر ذكر التحذير والوعيد من ظلم اليتامى ، وما يجري في حق اليتامى يجري في حق النساء .
3_ إبتدأت آية التعدد بما مفاده أنكم إن كنتم تخافون ظلم اليتامى فليكن تعاملكم مع مثيلهم في الضعف ( أي النساء ) بنفس النحو من الحذر ، وإن كان لا بُد من زواج آخر فليكن معياره الصلاح لكم .
4_ حتى لو إخترتم ما يصلح لكم من النساء وكان في هذا إحتمال ظلم لزوجة وعدم العدل بينها وبين أخرى فالأجدر الإكتفاء بواحدة لأن هذا هو الأولى والأصل في الصلاح .
5_ إن المعيار الأساس في عدم ظلم النساء هو العدل والله الخالق الخبير يجزم بأنكم لن تعدلوا ولو حرصتم .
----------------------------------------------------
= أخيراً هل يُقصد من كل ما سبق القول بحرمة تعدد الزوجات ؟

والجواب : قطعاً لا أقول بحرمة الزواج الثاني أو غيره ، كما لا أقول أن الإسلام أباح تعدد الزوجات لكل من إشتهى حتى ولو كان قادراً على إعالة أكثر من زوجة .
بل أقول أن الإسلام بدليل ما وفقني الله لإيراده أجاز تعدد الزوجات بمعيار الصلاح للزوج والزوجات وإن كان الأولى والأصل الإكتفاء بواحدة .
ولمزيد إيضاح أضيف أن الزواج الثاني إنما يجوز دواءً لا ترفاً
وعلى نحو (من أضُطرَّ) .
لهذا من صَلُحَ له الزواج الثاني لعلةٍ وإضطرارٍ ما ، جاز له ذلك .

ومن لا يصلح له أو يحتمل إيراده الضرر على أي من الزوجات لا يَبعد القول بحكم آخر له .

ولو سأل سائل ما نوع الإضطرار الذي يجوز معه تعدد الزوجات :
أجيب : أنه ليس من شأني تحديد أنواع الضرورة فربما كان لعلةٍ في الزوجة الأولى سواءً جسدية أو نفسية أو لعلةٍ في الزوج -------- والله الأعلم بحقيقة الضرورات والمحظورات .

وخلاصة القول : أني لم أجد في القرآن مايشير إلى إباحة تعدد الزوجات ، بل وجدت تحذيراً وتشدداً في التنبيه والتقييد والتخويف من العواقب والترغيب بالإكتفاء بواحدة .

والله الموفق وهو المستعان


  • المصدر : http://www.el-balagh.net/edara/subject.php?id=160
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 02 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18