• الموقع : البلاغ : موقع سماحة الشيخ إبراهيم فواز .
        • القسم الرئيسي : الأبحاث والمقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مذهب التعمية .

مذهب التعمية

باسمه تعالى
مذهب التعمية :

لعل البعض يظن أن هذه التسمية هي من إبتداعي ، وللتوضيح أقول:
أنه يُشتهر الآن أن في العالم ما يُقارب الخمسة آلاف مذهب وعقيدة وفيها من التآلف والتباعد ما لا يُحصى .
وأحد هذه المذاهب ما سُمي بمذهب التعمية وهو ليس بالجديد على بني البشر ، بل هو قديم في الزمن ويرجع إلى آلاف السنين ، وقد ساد في أكثر البلدان .

ولا يُعتبر في حد ذاته حاوياً على تفاصيل محددة ومستقلة في الإعتقاد والمسلك ، لكنه قد يجد طريقه لإستغلال كل العقائد والمذاهب ، حتى يصير مهيمناً على مسارها ومسار أتباعها.
وهو في الغالب عقيدة للحاكمين والمتسلطين على الناس ، حيث يجدونه خير معين لهم لبقاء حكمهم وتسلطهم .
وتقوم فلسفته على إعماء العوام والوقوف بينهم وبين معرفة الحقائق .
وليس لمعتقديه وأرباب ناشريه أساليب موحدة ، بل لكل منهم أساليبه وآلياته بحسب الزمان والمكان وصنف العوام ومعتقداتهم .
وفي عالم العامة من المسلمين أنشيء النموذج الخاص من هذا المذهب منذ بدايات دولة الإسلام .
والصورة التي نُسخت للمسلمين من هذا المذهب أسمينا أتباعها في بعض نقاشاتنا بـ ( طائفة العقول المعطلة ) .
ولما بدأ العمل على تطبيق هذه الصورة ( أي النُسخة المُعدة للمسلمين ) ، إصطدم المخططون والعاملون لها بثلاث مقدسات طرحها الإسلام وجعلها قطب رحى دوام صفائه ونجاة أتباعه وهي :
- - القرآن والذي أكد بلسانه أن له حجابين لا يمكن إختراقهما عبر الإفادة أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأن حفظه من مختصات الله تعالى .
- - السنة الشريفة وهي تعم أقوال الرسول (ص) وأفعاله وإقراراته .
- - شخص الرسول الأعظم (ص) وبالتبعية أهل بيته المطهرين .
 وبما أن القرآن الكريم لا مجال لإختراق نصوصه وتزوير متونه
  فقد بدأ العمل على السنة الشريفة ومن خلالها يتم أيضاً النيل من المقدس الثالث ، أي شخص الرسول الكريم وأهل بيته الطاهرين .
- ولعل من أبرز الأمثلة للتطبيقات التي بدأت مبكراً وفي حياة الرسول الأعظم (ص) هي ما ورد في شكوى عبد الله بن عمرو بن العاص حيث قال للرسول (ص) ما مفاده أني كنت أكتب كل ما أسمع منك فمنعتني قريش وقالت أن النبي (ص) رجل يغضب ويرضى ويتكلم في الغضب والرضا فلا تكتب ...
 ( يُراجع النص في مظانه ) .
- ومن ثم قُبيل وبُعيد وفاة الرسول (ص) كانت المقولة المشهورة : عندنا كتاب الله يكفينا ... وبعدها بدأ المنع جهرة عن نشر الحديث الشريف ، حتى وصل الأمر إلى منع الكثير من الصحابة عن الخروج من المدينة وتكرار الأمر لهم بأن لا يحدثوا الناس بأحاديث الرسول (ص) .
- وجاءت المرحلة الثالثة بوضع الأحاديث وتزوير متونها وأسانيدها بوصلها بالصحابة وعبرهم بالرسول (ص) .
- وبعد مرور أكثر من تسعين سنة على وفاة النبي (ص)
 صدر الإذن بتدوين الحديث والسُنة .
- وبدأ تصنيف كتب الجرح والتعديل ونشرها وعلى أسس محددة وأبرزها مُقدسٌ أساس وهو : مقولة عدالة كل الصحابة .
- وعليه كثيراً ما يكون جرح الراوي أو تعديله من خلال مدى إلتزامه العقائدي بهذه المقولة .
- وكَثُرت تصانيف العلماء للحديث لكن المشيئة دخلت وإختارت أكثرها تطبيقاً لهذه المقولة وتبعاتها وصبغتها بصبغة (الصحاح) حتى صارت عند العامة شريكة للقرآن في القداسة وحُرمة تناول مدوناتها بالنقد أو النقض . بل وصل الأمر ببعض علماء هذا المذهب إلى صياغة مقولة صارخة لإضفاء المزيد من القداسة عليها حيث قال ( أن السُنّة حاكمة على القرآن ) .
- وإضافة إلى ما قلناه سابقاً نزيد أن من ترشحات هذا المذهب أنه كان على أتباعه الإقتصار إلى أقصى حد بعدم تجاوز الحوار مع الآخر متون الصحاح وتوابعها من كتب الجرح والتعديل .
- والرد الدائم على أي محاور أو ناقد أو ناقض بتهمة الكذب .
والحق يُقال أن الإسلام أصابه  جرح بالغ بأتباع مذهب التعمية وطائفة العقول المعطّلة .
فالمعلوم أن الأصنام لعُبّادها لا تكون دوماً حجراً ، بل ربما كانت بشراً أو مقولة صنعوها بأوهامهم ، أوصنعت لهم وزُينت بالقداسة .
وهكذا كان لهؤلاء مقالات صنمية حيث صار النقاش حولها كفراً والتحقيق في صوابيتها زندقة.
وأُوهم عُبادها أنهم فرقة النجاة وكل الآخرين شر العباد .

وحيث أن إبتلاء المؤمن مما لا مفر منه فقد يبتلي أحدنا بنسّاخ صغير لديه قدرة هائلة على تعطيل عقله ، ووفاء أعمى لمذهب التعمية ، وهو دون شك إبن بار لطائفة العقول المعطلة .
وهذه الطائفة كما أشرنا تتميز بأنها تخص نفسها بمباديء  مقدسات على أتباعها الإعتقاد والإلتزام بها ، وإلا صاروا خارجين عنها وجازت اللعنة عليهم مع الآخرين .

ومن هذه المباديء التي يُفترض أن تُترجم سلوكاً دائماً لأفرادها:

- - الموقف العدائي لكل آخر
- - التكذيب الفوري لكل ما يصدرعن الآخرين .
- -إعتبار الدعوة إلى حوار العقل والمنطق كفر وزندقة .
- - حفظ  قاموس ضخم من السباب والشتائم والمداومة على إستعماله .
- - التصديق الجازم بلا نقاش أن هؤلاء الأتباع هم أبناء الطائفة المنصورة والفرقة الناجية .
- - حفظ مقررات كتبها كبار مذهب التعمية وإعتبار أنها الفيصل الذي لا يُقاوم وكل ما يخالفها باطل لا يجوز حتى الوقوف عنده .

 


وأحياناً لا تجد في مقابلك محاوراً بل صورة تخفي في داخلها وورائها ملخصات صارخة وتطبيقات فاضحة لمباديء وتعاليم مذهب التعمية ومسلكيات أبناء (طائفة العقول المُعطّلة )
فمن مُضحكات بعض هؤلاء أنه:
أولاً : يتوهم نفسه في مقام محاور .
وثانياً : أنه إضافة إلى مداومة إعمال هوايته بنسخ الصفحات الطِوال قد يقع في فخ نسخ نفسه فيُعيد تكرار لصق ما نسخ مرة بعد مرة .
وترى المسكين أُفهم أو توهم من خلال إعجابه بشيوخ مذهبه وشيخ منهجه أن كثرة الكلام وتسويد الصفحات وتكذيب الخصم وتكثير السباب والطعن من عوامل نيل الإعجاب وإثبات النصر والفلاح .

لكن لو عقل فيهم أحد لعلم :
أن الأمر ليس بالكثرة بل بالفكرة .

ومن لطائف مدرسة مذهب التعمية إدمان أتباعها لأغنية:
نحن الطائفة المنصورة ، نحن الفرقة الناجية .
ولإيضاح وبيان سبب هذا الإدمان نقول :
المعلوم أن من نتاجات علم النفس الإنساني أن بعض العلاجات للمريض المصاب بالعِقد والإحباطات النفسية تكون بمداومة الإيحاء له بأفكار معينة مساوقة مع إلزامه   بترداد عبارات محددة .
والقصد من ذلك وضع حد للعقد والإحباط المنوي التخلص منه ، ومن ثم نقل المريض إلى الإعتقاد بأمور مغايرة ومعاكسة وزيادة تعلقه بها .
ومن خلال إلزام المريض بترداد عبارات محددة يتم إكمال العلاج بتكامل الإعتقاد والمسلك ، وهكذا كلما أدام المريض الترداد تمتن  الإعتقاد ، وكلما تمتن الإعتقاد ترسخ المسلك حتى يصبح جزءً لا ينفك من طبع المريض وطبيعته .
ونجد هذا النوع من المعالجة متبعاً فيما يُسمى بعملية غسل الأدمغة .
كذلك تجده عند كل من يريد ربط شخص أو مجتمع بعقيدة ما ، ومن المثال على ذلك : ما يُتبع في أغلب بلدان العالم حيث يُلزم الطلاب الصغار على ترداد النشيد الوطني كل صباح ، حيث يعتقد القيمون على ذلك أن من شأن هذا إيجاد عقيدة وطنية لدى الصغار يصعب الإنفكاك منها في الكبر .
وهذا بالتمام ما فعله أرباب مذهب التعمية بأتباع طائفة العقول المعطّلة .
حيث وجدوا في بعض كتبهم مروية تُنسب إلى الرسول (ص) وتقول أن الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة ، الناجية واحدة والباقي في النار . ورغم أن العديد من علماء السنة حكم بضعف المروية وبطلانها ، إلا أن مذهب التعمية إستغلها أحسن إستغلال وبإسلوب علم النفس الحديث .
فقد ألزم أتباعه بالمداومة على غناء أنشودة :
نحن الطائفة المنصورة ، نحن الفرقة الناجية .
لذلك تجد كل أتباعهم لا ينفكون عن ترداد هذه الأغنية في كل مجلس وعن كتابتها في كل نص .
وفعلاً صار أتباع هذه الطائفة أسرى لمفعول الأغنية في الإعتقاد والمسلك حتى لتكاد ترى أنه من شبه المستحيل فك الإرتباط بين الفرد منهم وبين ما أنتجه هذا النوع من المعالجة لنمط تفكيرهم ومسلكياتهم لا سيما اتجاه كل من يوصف بالآخر .
وبإمكانك أن تلمس مدى إخلاصهم ومدى إلتزامهم بنتاجات ما مروا به من غسل أدمغة لدرجة أنه يصعب عليهم حتى قراءة أو سُماع ما يُخالف ما تمت برمجتهم عليه .

ولعل أبرز ما يتملك هؤلاء راسختان :
 الأولى : أنهم الهداة الذين حباهم الله بهدايته وجعلهم حجته في أرضه وهم بذلك من حيث لا يفقهون قد إدعوا العصمة بالإجمال لأنفسهم ولما يعتقدون مع العلم أنهم من أشد الطاعنين بالقول بالعصمة حتى للأنبياء والرسل .
 الثانية : الحكم الجازم بضلال الآخر وكفر معتقده وعليه إما أن يُنصتَ مسُلماً بكل ما يُلقى عليه وإلا كان تكفيره من ضرورات الدين ولوازم توحيد رب العالمين .

وإستناداً إلى هاتين الراسختين فالآخر دوماً في قفص الإتهام وعليه أن يُثبت براءته من الشرك والكفر وإلا كان حقاً على الله رميه في جهنم وبئس المصير.

وهم بهذه العقلية والمسلكية يكادون لا يعرفون من الحوار حتى معناه فضلاً عن مبادئه

مع العلم أن من أهم مباديء الحوار كما أشار القرآن الكريم منطلقين لا بد منهما :
1- أن يعتبر كل محاور كلامه في مقام الإدعاء ، وكلام الآخر في مقام الإحتمال .

2- أن يبدأ الكلام من ما يُتفق عليه لا مما يُختلف فيه .

ومن غير هذين المنطلقين لا يكون المتبادل بين أي طرفين حواراً بل تقرير وإتهام وتضليل وهذا ما يبرع به أبناء طائفة العقول المُعطّلة ، وما كل ذلك إلا من ترشحات
مذهب التعمية الذي وقعوا أسرى براثنه منذ قرون .

وهنا لن يعجب المراقب إذا إفتقد في هؤلاء عقلية الإنسان وإنسانية العقل حيث قد حلً محلهما وتربع على عرشهما فيهم غريزية العداء لكل آخر .

 

 

والسلام .

 


  • المصدر : http://www.el-balagh.net/edara/subject.php?id=94
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 12 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29