• الموقع : البلاغ : موقع سماحة الشيخ إبراهيم فواز .
        • القسم الرئيسي : الأبحاث والمقالات .
              • القسم الفرعي : مواضيع قرآنية .
                    • الموضوع : أعظم تشريع للعلاقة الإنسانية (2) .

أعظم تشريع للعلاقة الإنسانية (2)

 تكملة :

3- فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ : ال ( لا ) للنهي والجزم . 
ال( قول ) هو أسرع ما يصدر مِن الإنسان كردِ فعلٍ على الغير .
ال ( تأفف ) هو أقل لفظٍ يُعبّر به عن الضيق وعدم قدرةِ تحمّل تكرار تصرفٍ مؤذٍ أو غير لائقٍ.                                                                   = قيلَ لو كان هناك لفظ أقل مِن (أف) لذكره الله في الآية.
ولا بُد من الإشارة إلى أنّ الآيات لا تنفي أن يكون قد صدر ويصدر مِن الوالدين الأذى بأقوال وأفعال تكراراً ومراراً لو أتت من أي شخص آخر لكن التأفف طبيعياً ولا يُستنكر .
لكن هنا : هما الوالدان وما يجوز في حقِ غيرهما لا يجوز في حقهما .
أخطآ ، كررا بذاءة ، فعلاَ سخيفاً تافهاً .
ليس للولد محاكمة والديه ، ليس له محاسبة والديه ، ليس له حتى التأفف مِن أبشع ما قالا أو فعلا .
4- وَلاَ تَنْهَرْهُمَا : النهر هو الزجر أي المنع والتأنيب أو التعنيف بقولٍ أو فعلٍ . 
وهذا أقسى وأسوأ مِن التأفف ، وقد يضطر إليه الفرد إذا كان قبيح فعل الآخر مما لا يُمكن تحمله ويُخاف مِنَ التمادي فيه وتكراره  بحيث يرى البعض أنّ لا مفر مِن التعنيف منعاً للأسوأ .
( لكن ) في حالة الوالدين ومهما كان قبيح أفعالهما ومهما كان المتعارف قبولاً ورفضاً عند الناس فالأمر الإلهي حاسم جازم ( لا تنهرهما ) ليس لك ذلك ولا عذر ولا حق لولدٍ في ذلك .
وقد روي : (من نظر إلى أبويه نظرة ماقت لهما وهما ظالمان له لم يقبل الله له صلاة) . 
ويُلاحظ ( رغم كل ما صدر منهما مما قد يستدعي التأفف والنهر يأمر الله الولد بشيء غريب .
فليس المطلوب فقط الإمتناع عن التأفف والزجر ومن ثم الصمت بل بعد نهي عن الفعلين يأتي أمرٌ 
بثلاثة ) :
5- وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً  :   
= لاحظ معي : لا تقل لهما أفٍ وقل لهما قولاً كريماً .
عجيب هذا التعظيم 
لا تقل لهما أفٍ مهما قالا أو فعلا .
 ولا تصمت على مضض ، ولا يكفي أن تقول قولاً حسناً أو ليّناً بالتنبيه .
بل قل لهما قولاً فيه تكريم يليق برفعة شأنهما ، فهما والداكَ ولولاهما بعد الله ما جئتَ إلى الحياة،
فأنتَ بكل وجودك مَدينٌ بعد الله لهما .
6- وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ .
= الخفض هو الحط والإنزال إلى الأدنى .
= الجناح هو الأداة التي يعلو بها الطائر متحرراً متعالياً فينظر إلى غيره مِن فوق ولا يُسقطه مِن عليائه إلا معتدٍ غادر .
= الذل هو الإنكسار والخضوع .
= الرحمة أي الرِقة والرأفة .
وعليه دقق : 
لا تنهرهما رغم كل ما يصدر عنهما مِن خطءٍ ، لكن : إنزل ، إهبط مِن كل عليائكَ بكل ما تراه قوة ترفعكَ ، إنزل منكسراً خاضعاً لهما بالرِقةِ والرأفة .
 وزد على ذلكَ كونكَ لا تستطيع أداء حقهما عليك توسلاً إلى الله :
7- وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً .
لأنكَ بحقيقة أمركَ لستَ أكثر مِن عبدٍ لربِ الكون
وإليه عودك وفي قبضته وساحته، حسابكَ ومصيركَ إليه ، وأنت أعجز مهما فعلتَ عن الوفاء بما لهما وما يستحقان .
لذا أنتَ أحوج إلى الإستغاثة برب العالمين الرحمَن الرحيم،  لكيلِ  رحمةٍ لهما  يستحقانها كما ربيّاكَ صغيراً حينَ كنتَ بلا حولٍ ولا قوة ولا إدراكٍ ولا تدبيرٍ لحاجاتكَ،  ولولا فيضِ رحمتهما لكَ وبكَ لربما إنتهى وجودكَ في ساعات بين أنياب الجوع والقذارات . 
=== (  ((( هنا أوقفني شيءٌ لاح في ذهني وألّح عليه ))) :
- الوالدان كبِرا وبدأ يصدر منهما ما لا يليق ولا يُحتمل .
- الله جبّار السموات والأرض يمنع الولد مِن حتى التأذي منهما وليس فقط أذيتهما .
- يأمره بتكريمهما والإنحطاط تذللاً لهما .
- ثم يأمره بالتوجه إلى الله لطلب مكافأته لهما .
- ... وكل ذلكَ وبهذا النحو لأنهما ربيّا ولدهما بالرحمة صغيرا .
- كأنه سبحانه تعالى قال : أيها الولد مهما فعلتَ لوالديكَ إحساناً وتكريماً وخضوعاً وتذللاً فإنَكَ لا تدرك مقدار وقيمة رحمتهما بكَ صغيراً 
ولن تدركَ قدر إيفاءهما أجرهما .
(ولا يُدركُ ذلك ولا يقدر على ذلكَ إلاّ الله الذي وسعت رحمته كل شيء) فالجأ إليه كي يعينكَ على رد الجميل لهما . فهل عرفتَ يا ولدي (مــا) أنتَ أمام والديكَ ؟؟؟)
8- رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً .
لن أستطرد هنا شرحاً لكن أقول إستيحاءً : 
أن الله الأقرب إليكم مِن حبل الوريد ، العالِم في دواخل نفوسكم :
لا يُريد بما أمركم به أن يخرج أفعالاً فقط باللسان واليد ، لأنّه ( هكذا فقط ) قد يكون أقرب إلى ظواهر النِفاق .
بل إن ما يريده الله منك بحقه وحقيقته : أن لا تتأفف ولو بينك وبين نفسك ،
 أن تعتقد بلزوم تكريم والديك في قرارة نفسك 
أن تخضع وتتذلل لهما بكل إيمان وقناعات ومشاعر دواخل نفسك .
واحذر ربّكَ في ذلك
 لأنّه (أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ) وبهذا تكون صالحاً وإنْ لم تكن فعد إلى صواب ما يُريده الله (فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً) .
===      
والحمد لله أولاً وآخراً .
=====         
إبراهيم فوّاز .

  • المصدر : http://www.el-balagh.net/edara/subject.php?id=176
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 08 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29