• الموقع : البلاغ : موقع سماحة الشيخ إبراهيم فواز .
        • القسم الرئيسي : الأبحاث والمقالات .
              • القسم الفرعي : مواضيع قرآنية .
                    • الموضوع : وقفة مع سورة الحاقَّة .

وقفة مع سورة الحاقَّة

  وقفة مع سورة الحاقَّة :

صورة مِن صور يوم القيامة إستوقفني فيها فرز للناس على أسسٍ تثير الإنتباه .

ساحة إنتظار توزع فيها سجلات أعمال على المنتظرين لجلسات المحاكمة .

وبالتصنيف الأولي :

 1- فئة ترى في ما كُتِبَ لها فوزاً ونجاة يجعلها تزهو وتتفاخر.

 2- وفئة ترى الخسران والخيبة ، وحال هذه وما يصدر عنها يستدعي النظر بدقة وتروٍ :

= هذا الخاسر بمجرد إطلاعه على صحيفته يتمنى ثلاثة :

  يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ

 وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ

يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ

ولعلّ التمني الأخير أشد مرارة بأنْ يكون موته قاضية ونهاية لكل وجوده بلا بعث ولا حياة جديدة .

=== لكنّ الأهم في نظري هو شيئان ولا بُد من ملاحظتهما معاً .

1- أنّه يُعلل خسارته وخزيه لسببين :

--- مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ

--- هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ

وهذا يُفيد أنّه كان يعتقد رغم سوء فعاله في الدنيا إمتلاكه درعين واقيين له مِن أي مُساءلة :

-1- المال

-2- السلطان. وهذا لا يعني حصراً سلطان الحكم بل أي جاه وتسلُط كان يعتمده على مَن دونه .

2- التعليل القرآني لخسارة الخاسر وخزيه :

-1- إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ

-2- وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ

=== وقد حاولتُ إمعان النظر للتقريب والجمع بين التعليلين .

ورأيتُ أنّ المُفسرين أخذوا قوله تعالى : إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ. إلى جهة واحدة وهي الكفر المُطلق بالله . بينما رأيتُ إحتمال أنّ يكون الكفر المقصود  هنا أعم وقد لا يعني عدم الإيمان بالله بنحو مُطلق .

بل ربما كان هذا الخاسر من المؤمنين بنحوٍ عام لكن الثّغرة الكبرى والنّقيصة العظمى في إيمانه أنّه لم يكن يؤمِن (((بعظمة الله))) .

= فالله هو الخالِق والمنعم لكن العظمة الفاعلة في نظره ليست حصراً لله وحده .

حيثُ كان يرى  ((( عظمةً ))) في ماله تغنيه وتدفع عنه كل مساءلة وحساب وعقاب .

وكان يرى ((( عظمة ))) في سلطانه وجاهه وشأنه الرفيع عند من دونَه .

لذا عند خيبته كان يتحسر بعتبٍ مؤلم على خذلان المال والسّلطان له وهما اللّذان كانا بظنّه الحصن المنيع الكافي للدّفع عنه وإستمرار رفعته حتّى في دار الآخرة بهما .

= واللّافت في التّعليل القرآني للخسران والخزي هو قوله تعالى :

وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ .

فهو في دنياه وتبعاً لسندي العظمة (كما يرى) لم يكن لذوي الحاجة والمستضعفين أي إعتبار أمام إستعلائه .

ويُمكن الإلتفات هنا أن الإيمان دون الإلتزام الإنساني نحو أبناء المجتمع يشوبه نقص يؤدّي إلى مساءلة وحساب وعقاب .

وبتعبير آخر إن الواجبات الإنسانية (كإطعام المسكين ) هي من لوازم الإيمان بالله سبحانه تعالى .

هنا ضرورة التساؤل :

=== إن كنّا نتّفق أنّ الكفر بالله مُسقط لكل الإعتبارات والدّروع والحصانات وهو كافٍ لنيلِ الكافر أقسى عتاب وأشد عقاب فما الحاجة لذكر عدم إطعام المسكين وعدم الحثّ على إطعامه في لائحة الإجرام الكبرى وفي ذلكَ الموقف الرهيب ؟

=== المعلوم أنّ في الّتشريع الإلهي واجبات ومحرّمات توعّد الله لتاركها أو مرتكبها بأشد العذاب فلما لم تذكر هنا تلك الجرائم ( ترك واجبات أو فعل محرمات ) بل جمع بين الكفر بالله العظيم والإمتناع عن إطعام المسكين فقط وعرض الحكم لصورة بداية العقاب بتقييده بالأغلال وجرّه إلى الجحيم ؟

===  إذا كان الكفر بالله العظيم يكفي لدخول جهنم بأي شكلٍ يراه حاكم يوم القيامة فهل للتّقييد بالأغلال والسلاسل وسوقه بهذا النحو إلى الجحيم لسبب خاصيّة وأهمّيّة وعظمة جُرم حرمان المسكين مِن الطّعام ؟

فهل نحتاج إلى السؤال هنا ؟:

كم مِن مسكين جائع ومريضٍ متوجعٍ قربنا أو حولنا ووصلَ خبره إلى مسامعنا ولم يتحرّك لنا شعور ؟

إذا كان أحدنا رأى أو سمع طيلة عشرات سنين حياته عن مساكين ومحتاجين ومتعفّفين ولم يَر داعياً للتّأثر ومد يد العون ولو بالحثّ على الغوث والمساعدة فماذا يُنجينا مِن تلك الأغلال ؟

هل ذكر إطعام المسكين في الآية فقط للتّهديد أم أيضاً للتّنبيه على باب مِن أبواب النّجاة مِن غضب الله وشديد العقاب ؟

=== اللّهم وفقنا لِما فيه رضاك وسدد نوايانا لِما فيه خيرنا في الدنيا والآخرة .

وحسبي الله ربي وهو الكافي .

=====           

إبراهيم فوّاز .


  • المصدر : http://www.el-balagh.net/edara/subject.php?id=168
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 08 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29